فصل: الخبر عن الدول الإسلامية ونبدأ منها بدولة بني أمية معقبة لخلفاء صدر الإسلام وذكر أوليتهم وأخبار دولهم واحدة واحدة إلى انقضائها.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن الدول الإسلامية ونبدأ منها بدولة بني أمية معقبة لخلفاء صدر الإسلام وذكر أوليتهم وأخبار دولهم واحدة واحدة إلى انقضائها.

.(دولة بني أمية):

بسم الله الرحمن الرحيم
كان لبني عبد مناف في قريش جمل من العدد والشرف لا يناهضهم فيها أحد من سائر بطون قريش وكان فخداهم بنو أمية وبنو هاشم حيا جميعا ينتمون لعبد مناف وينسبون إليه وقريش تعرف ذلك وتسأل لهم الرياسة عليهم إلا أن بني أمية أكثر عددا من بني هاشم وأوفر رجالا والعزة إنما هي بالكثرة قال الشاعر:
وإنما العزة للكاثر

وكان لهم قبيل الإسلام شرف معروف انتهى إلى حرب بن أمية وكان رئيسهم في حرب الفجار وحدث الإخباريون أن قريشا توقعوا ذات يوم وحرب هذا مسند ظهره إلى الكعبة فتبادر إليه غلمة منهم ينادون يا عم أدرك قومك فقام يجر إزاره حتى أشرف عليهم من بعض الربا ولوح بطرف ثوبه فبادرت الطائفتان إليه بعد أن كان حمي وطيسهم ولما جاء الإسلام ودهش الناس لما وقع من أمر النبوة والوحي وتنزل الملائكة وما وقع من خوارق الأمور ونسي الناس أمر العصبية مسلمهم وكافرهم أما المسلمون فنهاهم الإسلام عن أمور الجاهلية كما في الحديث أن الله أذهب عنكم غبية الجاهلية وفخرها لأننا وأنتم بنو آدم وآدم من تراب وأما المشركون فشغلهم ذلك الأمر العظيم عن شأن العصائب وذهلوا عنه حينا من الدهر ولذلك لما افترق أمر بني أمية وبني هاشم بالإسلام إنما ذلك الإفتراق بحصار بني هاشم في الشعب لا غير ولم يقع كبير فتنة لأجل نسيان العصبات والذهول عنها بالإسلام حتى كانت الهجرة وشرع الجهاد ولم يبق إلا العصبية الطبيعية التي لا تفارق وهي بعزة الرجل على أخيه وجاره في القتل والعدوان عليه فهذه لا يذهبها شيء ولا هي محظورة بل هي مطلوبة في الجهاد والدعاء إلى الدين ألا ترى إلى صفوان بن أمية وقوله عندما انكشف المسلمون يوم حنين وهو يومئذ مشرك في المدة التي جعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يسلم فقال له أخوه: ألا بطل السحر اليوم؟ فقال له صفوان: اسكت فض الله فاك لأن يربني رجل من قريش أحب إلي من أن يربني رجل من هوزان ثم إن شرف بني عبد مناف لم يزل في بني عبد شمس وبني هاشم فلما هلك أبو طالب وهاجر بنوه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمزة كذلك ثم من بعده العباس والكثير من بني عبد المطلب وسائر بني هاشم خلا الجو حينئذ من مكان بني هاشم بمكة واستغلظت رياسة بني أمية في قريش ثم استحكمتها مشيخة قريش من سائر البطون في بدر وهلك فيها عظماء بني عبد شمس: عتبة وربيعة والوليد وعقبة بن أبي معيط وغيرهم فاستقل أبو سفيان بشرف بني أمية والتقدم في قريش وكان رئيسهم في أحد وقائدهم في الأحزاب وما بعدها ولما كان الفتح قال العباس للنبي صلى الله عليه وسلم أبو سفيان ليلتئذ كما هو معروف وكان صديقا له: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له ذكرا فقال: «من دخل بيت أبي سفيان فهو آمن» ثم من على قريش بعد أن ملكهم يومئذ وقال: «إذهبوا فأنتم الطلقاء وأسلموا» وشكت مشيخة قريش بعد ذلك لأبي بكر ما وجدوه في أنفسهم من التخلف عن رتب المهاجرين الأولين وما بلغهم من كلام عمر في تركه شوراهم فاعتذر لهم أبو بكر وقال أدركوا إخوانكم بالجهاد وأنفذهم لحروب الردة فأحسنوا الغناء عن الإسلام وقوموا الأعراب عن الحيف والميل ثم جاء عمر فرمي بهم الروم وأرعب قريشا في النفير إلى الشام فكان معظمهم هنالك واستعمل يزيد بن أبي سفيان على الشام وطال أمد ولايته إلى أن هلك في طاعون عمواس سنة ثماني عشرة فولى أخاه معاوية وأقره عثمان من بعد عمر فاتصلت رياستهم على قريش في الإسلام برياستهم قبيل الفتح التي لم تحل صبغتها ولا ينسى عهدها أيام شغل بني هاشم بأمر النبوة ونبذوا الدنيا من أيديهم بما اعتاضوا عنها من مباشر الوحي وشرف القرب من الله برسوله ومازال الناس يعرفون ذلك لبني أمية وانظر مقاله حنظلة بن زياد الكاتب لمحمد بن أبي بكر: إن هذا الأمر إن صار إلى التغلب غلبك عليه بنو عبد مناف ولما هلك عثمان واختلف الناس على علي كانت عساكر علي أكثر عددا لمكان الخلافة والفضل إلا أنها من سائر القبائل من ربيعة ويمن وغيرهم وجموع معاوية إنما هي جند الشام من قريش شوكة مضرو بأسهم نزلوا بثغور الشام منذ الفتح فكانت عصبيته أشد وأمضى شوكة ثم كسر من جناح علي ما كان من أمر الخوارج وشغله بهم إلى أن ملك معاوية وخلع الحسن نفسه واتفقت الجماعة على بيعة معاوية في منتصف سنة إحدى وأربعين عندها نسى الناس شأن النبوة والخوارق ورجعوا إلى أمر العصبية والتغالب وتعين بنو أمية للغلب على مضر وسائر العرب ومعاوية يومئذ كبيرهم فلما تتعده الخلافة ولا ساهمه فيها غيره فاستوت قدمه واستفحل شأنه واستحكمت في أرض مصر رياسته وتوثق عقده وأقام في سلطانه وخلافته عشرين سنة ينفق من بضاعة السياسة التي لم يكن أحد من قوقه أوفر فيها منه يدا من أهل الترشيح من ولد فاطمة وبني هاشم وآل الزبير وأمثالهم ويصانع رؤوس العربو قروم مضر بالأغضاء والإحتمال والصبر على الأذى والمكروه وكانت غاياته فيلا الحلم لا تدرك وعصابته فيها لا تنزع ومرقاته فيها تزل عنها الأقدام ذكر أنه مازح عدي بن حاتم يوما يؤنبه بصحبه علي فقال له عدي: والله إن القلوب التي أبغضناك بها لفي صدورنا وأن السيوف التي قاتلناك بها لعلى عواتقنا ولئن أدنيت إلينا من الغدر شبرا لندنين إليك من الشر باعا وأن حز الحلقوم وحشرجة الحيزوم لأهون علينا من أن نسمع المساءة في علي فشم السيف يا معاوية يبعث السيف فقال معاوية هذه كلمات حق فاكتبوها وأقبل عليه ولاطفه وتحادثا وأخباره في الحلم كثيرة.